السبت، 8 ديسمبر 2018

مفهوم التواصل



يفيد التواصل في اللغة العربية الاقتران والاتصال والصلة والترابط والالتئام والجمع والإبلاغ والانتهاء والإعلام. أما في اللغة الأجنبية فكلمة communication تعني إقامة علاقة وتراسل وترابط وإرسال وتبادل وإخبار وإعلام. وهذا يعني أن هناك تشابها في الدلالة والمقصود بين مفهوم التواصل العربي والتواصل الغربي.
يفترض كل تواصل باعتباره نقلا وإعلاما مرسلا ورسالة ومتقبلا وشفرة يتفق في تسنينها كل من المتكلم والمستقبل (المستمع) وسياقا مرجعيا ومقصدية الرسالة. ويعرف شارل كولي Charles Cooleyالتواصل قائلا:" التواصل هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان. ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبرة الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون وكل ما يشمله آخر ما تم في الاكتشافات في المكان والزمان.
يتبين لنا عبر هـذا التعريف أن التواصل هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها.
و التواصل نوعان :
-         تواصل نسقي
-         تواصل قبطاني
أما التواصل الذي يهمنا هنا هو : التواصل البيداغوجي باعتبار أن العملية التعليمية التعلمية هي عملية تواصلية أقطابها المدرس (المرسل) و التلميذ (المتلقي) و الأداة (و هي الخطاب بمحتوياته )
و هذا النوع من التواصل ينقسم إلى:
-         تواصل صفي تقليدي : وهو الذي كان سائدا حسب الطرق القديمة، حيث يعتبر فيه المدرس –المرسل- هو الجامع للمعلومات و المعرفة، ويبقى دور المتعلم –المستقبل- هو الاستقبال فقط، وذلك حسب الشكل التالي :
                                              A

الخطاب
 

                                                              
                                                                  B             C          D     
     و هذا النوع من التواصل كان يعتمد على طرق عقيمة في التدريس، حيث أن نتائجه كانت تكون مجدية أحيانا و فاشلة أحيانا أخرى
تواصل صفي مرتكز على الفرد :  وهو نوعا ما يعطي للمتلقي  نوعا من الحرية هي استقبال المعلومات و المعارف و الرد عليها بمبادرات شخصية    
                                    B                                     A    
   و هو التواصل الذي تعتمده النظريات التربوية الحديثة،:      تواصل صفي مرتكز على الجماعة
حيث يهتم بإشراك المتلقي في بناء الدرس انطلاقا من الوضعية المسالة و القصد منه تنمية روح المبادرة لهذا الأخير و تشجيعه على اكتساب المعارف و استقلالية البحث
غير ان هذا التواصل ينبغي أن تواكبه طرق جديدة في التدريس، كالتدريس بالكفايات، و التركيز على البيداغوجية الفارقية و المحاولة و الخطأ. بطرق تنشيطية غاية في الأهمية كطريقة (6*6) أو ما يسمى بطريقة فليبس، حيث يكون فيها المرسل عبارة عن موجه بينما يكون المتلقي في وضعية الباحث عن المعلومة و مستخرجها، عبر العمل الجماعي، و يتولى الإجابة و التدخل منشط استنادا على جمع المعلومات من المقرر، وهذا النوع من التنشيط يساهم إلى حد كبير في الرفع من جودة التعلم، و تكون نتائجه مرضية و ديمقراطية. و يكون على الشكل التالي
A
 


C

B
                                                                       
                       

E


D     
 


وبالتالي، فالتواصل له وظيفتان من خلال هذا التعريف :

أ‌-       وظيفة معرفية: تتمثل في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية.
ب‌- وظيفة تأثيرية وجدانية: تقوم على العلاقات الإنسانية.

وتركز الصورة المجردة للتواصل على ثلاثة عوامل أساسية:

 -1الموضوع: وهو الإعلام.

 -2الآلية: التي تتمثل في السلوكات اللفظية وغير اللفظية.

 -3الغائية: أي الهدف من التواصل ومقصديته البارزة( البعد المعرفي أو الوجداني أو الحركي)

والتواصل أنواع عدة: فهناك التواصل البيولوجي والإعلامي والسيكولوجي والاجتماعي والسيميوطيقي والبيداغوجي والاقتصادي...ويقول طلعت منصور في هدا الصدد:" إن وظيفة الاتصال تتسع لتشمل آفاقا أبعد . فكثير من الباحثين يعتبرون الاتصال كوظيفة لنضج شخصية الفرد وغير ذلك من جوانب توظيف الاتصال.

إذا، فالتواصل:" هو العملية التي بها يتفاعلون المراسلون والمستقبلون للرسائل في سياقات اجتماعية معينة"

وللتواصل ثلاث وظائف بارزة:
 -1 التبادل Echange:

 -2 التبليغTransfert:

 -3 التأثير     Impact

 -2مفاهيم التواصل:

أثناء الحديث عن التواصل لابد من استحضار بعض العناصر الأساسية في عملية التبادل وهذه العناصر هي :

 -1 زمنية التواصل temporalité 
 -2 المكانية أو المحلية  localisation
 -3 السننcode  أو لغة التواصل- التشفير والتفكيك- 
 -4 السياق contexte
 -5 رهانات التواصل  enjeux de communication
 -6التواصل اللفظي( اللغة المنطوقة) والتواصل غير اللفظي( اللغة الجسدية والسيميائية communication verbale et non verbale
 -7إرادة التواصل ( بث الإرسالية قد تكون إرادية أو غير إرادية volonté de communication
 -8الفيدباك أو التغذية الراجعة، وذلك لتصحيح التواصل وتقويته وتدعيمه وإنهائهfeedback
 -9شبكة التواصل    .réseau

 -3نماذج من التواصل:

هناك كثير من نظريات التواصل التي حاولت مقاربة وفهم نظام التواصل؛ لذلك من الصعب استقراء كل النظريات التي تحدثت عن التواصل، بل سنكتفي ببعض النماذج التواصلية المعروفة قصد معرفة التطورات التي لحقت هذه النظريات والعلاقات الموجودة بينها:

 -1النموذج الأول:
      النموذج السلوكي:
وضعه المحلل النفسي الأمريكي لازويل Lasswell D . Haroldسنة 1948 ويتضمن مايلي:
من؟ ( المرسل)ــــــــــ يقول ماذا؟( الرسالة)ـــــــــ بأية وسيلة؟ ( وسيط) ــــــــــــــ لمن؟ ( المتلقي) ـــــــــــ ولأي تأثير( أثر)
يرتكز هذا النموذج على خمسة عناصر، وهي:
المرسل ـ الرسالة- القناة- المتلقي- الأثر.
ويمكن إدراج هذا النموذج ضمن المنظور السلوكي الذي انتشر كثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقوم على ثنائية المثير والاستجابة. ويتمظهر هذا المنظور عندما يركز لازويل على الوظيفة التأثيرية، أي التأثير على المرسل إليه من أجل تغيير سلوكه إيجابا وسلبا. ومن سلبيات هذا النظام أنه يجعل المتقبل سلبيا في استهلاكه، ومنظوره سلطوي في استعمال وسائل التأثير الإشهاري في جذب المتلقي والتأثير عليه في صالح المرسل
فالمدرس هو المرسل، والتلميذ هو المتلقي، والرسالة ما يقوله المدرس من معرفة وتجربة، ثم الوسيط الذي يتمثل في القنوات اللغوية وغير اللغوية، والأثر هو تلك الأهداف التي ينوي المدرس تحقيقها عبر تأثيره في التلميذ.

 -2 النموذج الثاني:
   النموذج اللساني:
يعد رومان جاكبسون Roman Jackobson واضع هذا النموذج سنة 1964, إذ اعتبر أن اللغة وظيفتها الأساسية هي التواصل، وارتأى أن للغة ستة عناصر وهي: المرسل والرسالة والمرسل عليه والقناة والمرجع واللغة. ولكل عنصر وظيفة خاصة:
فالمرسل وظيفته انفعالية تعبيرية، والرسالة وظيفتها جمالية من خلال إسقاط محور الاستبدال على محور التركيب، والمرسل إليه
وظيفته تأثيرية وانتباهية، والقناة وظيفتها حفاظية، والمرجع وظيفته مرجعية أو موضوعية، واللغة أو السنن وظيفتها(ه) لغوية أو وصفية. وهناك من يظيف الوظيفة السابعة للخطاب اللساني وهي الوظيفة الأيقونية بعد ظهور كتابات جاك دريدا J . Derrida والسيميوطيقا.
ولتوضيح مفاهيم جاكبسون أكثر نعود إلى المجال التربوي والديداكتيكي: أن من وظائف التواصل لدى رومان جاكبسون:

 -1الوظيفة المرجعية: يلتجىء المدرس هنا إلى الواقع أو المرجع لينقل للتلميذ معلومات وأخبارا تحيل على الواقع، أي تهيمن هنا المعارف الخارجية والمعارف التقريرية المرتبطة بمراجع وسجلات كالمرجع التاريخي والمرجع الأدبي والمرجع اللساني والمرجع الجغرافي
 -2الوظيفة التعبيرية: تتدخل في هذه الوظيفة ذات المرسل وذلك من خلال انفعالاته وتعابيره الذاتية ومواقفه وميولاته الشخصية والإيديولوجية.

 -3الوظيفة التأثيرية: تنصب على المتلقي، ويهدف المرسل من ورائها إلى التأثير على مواقف أو سلوكات وأفكار المرسل إليه؛ لذلك يستعمل المدرس لغة الترغيب والترهيب والترشيد من أجل تغيير سلوك المتعلم
 -4الوظيفة الشعرية أو الجمالية: إن الهدف من عملية التواصل هو البحث عما يجعل من الرسالة رسالة شعرية أو أجناسية جمالية، وذلك بالبحث عن الخصائص الشعرية والجمالية مثل التركيز على جمالية القصيدة الشعرية ومكوناتها الإنشائية والشكلانية
 -5 الوظيفة الحفاظية: إن التركيز على القناة فذلك لوظيفة حفاظية وإفهامية كأن يستعمل المدرس خطابا شبه لغوي أو لغوي أو حركي من أجل تمديد التواصل واستمراره بين المدرس والتلاميذ، وذلك باستعمال بعض المركبات التعبيرية التالية: ( أرجوكم أن تنتبهوا إلى الدرس!)، ( انظروا هل فهمتم؟)، ( اسمع أنت!)...
 -6الوظيفة الميتالغوية أو الوصفية: يركز المدرس عبر هذه الوظيفة على شرح المصطلحات والمفاهيم الصعبة والشفرة المستعملة مثل شرح قواعد اللغة والكلمات الغامضة الموجودة في النص والمفاهيم النقدية الموظفة أثناء الشرح.
وقد تأثر جاكبسون في هذه الخطاطة التواصلية بأعمال فرديناند دوسوسيرFerdinand. De Saussure والفيلسوف المنطقي اللغوي جون أوسطين John L. Austin.
-4 مظاهر التواصــــــــل:
أ‌ -التواصل الوجداني:
إن من بين وظائف التواصل التأثير على المتلقي سلبا أو إيجابا" فهناك تواصل كلما أمكن لجهاز معين وبالأخص جهاز حي أن يؤثر على جهاز آخر بتغيير فعله انطلاقا من تبليغ إرسالية".
وبهذا المفهوم، يفيد التواصل كل التأثيرات التي يمارسها نظام على آخر مثل تلك العلاقة التي تنبني على تطبيق أوامر وتعليمات أو ترديد إحداث تغيير في سلوك الآخر. وتعتبر السلوكية من أهم التيارات السيكولسانية التي ركزت على الوظيفة التأثيرية؛ لأن التواصل حسب المنظور السلوكي يرتكز على مفهومي المثير والاستجابة. لذلك يؤثر السلوك اللفظي أو غير اللفظي على المتلقي تأثيرات وجدانية تكون لها انعكاسات إيجابية مثل التعاون والتماثل والاندماج، وانعكاسات سلبية مثل التعارض والصراع والتنافس. ومن ثم، فالعمليات الإيجابية" أقوى أثرا وأبقى من العمليات السلبية، وإلا لما بقيت المجتمعات الإنسانية أو تقدمت نحو الرقي والنهوض، فالصراع والعمليات السالبة عموما مجالها محدود، وكذلك أسلوبها؛ ذلك لأن الحياة تضطر الأفراد بمختلف مصالحهم أو مواقفهم إلى أن يوافقوا أنفسهم بالآخرين وأن يتخلصوا من الصراع إلى الاندماج أو التكيف مع البيئة".
ويقصد بالتواصل الوجداني في مجال البيداغوجيا اكتساب الميول والاتجاهات والقيم وتقدير جهود الآخرين وذلك من خلال تفاعله مع المادة المدروسة واكتسابه الخبرات بأنواعها المباشرة وغير المباشرة. ولقد خصص للمجال الوجداني صنافات بيداغوجية، ومن بين المهتمين بهذا المجال " كراتهول Krathwol الذي خصص صنافة تتكون من خمسة مستويات ذات صلة وثيقة بالمواقف والقيم والاهتمامات والانفعالات والأحاسيس والتوافق والمعتقدات والاتجاهات: فكرية كانت أو خلقية. وهذه المستويات هي:

1-   التقبل
2-    الاستجابة
3-    الحكم القيمي
4-   التنظيم
5-    التمييز بواسطة قيمة أو بواسطة منظومة من القيم.

ب -‌التواصل المعرفي:
التواصل المعرفي هو الذي يهدف إلى نقل واستقبال المعلومات، وهو تواصل يركز على الجوانب المعرفية ومراقيها، أو بتعبير آخر إنه يركز على الإنتاجية والمردودية. ويهدف هذا التواصل إلى نقل الخبرات والتجارب إلى المتلقي وتعليمه طرائق التركيب والتطبيق والفهم والتحليل والتقويم بصفة عامة. إنه يهدف إلى تزويد المتلقي بالمعرفة والمعلومات الهادفة. ومن ثم، يقوم هذا التواصل على تبادل الآراء ونقل المعارف وتجارب السلف إلى الخلف.
ويساهم السلوك اللفظي وغير اللفظي في التواصل المعرفي إذا تم احترام شروط السيكولوجيا التي تحيط بالمتلقي أو يعيشها. فالرفع من الإنتاجية المعرفية لايتم إلا عبر سلوكات لفظية ديموقراطية تعتمد على روح المشاركة واللاتوجيهة والتسيير الذاتي والتفاعل الديناميكي البناء، وعبر سلوكات لفظية وغير لفظية مثل حركات التنظيم والحركات الديداكتيكية وحركات التقويم والتمجيد. وهكذا لايمكن عزل التواصل المعرفي عن التواصل الوجداني إلا من باب المنهجية ليس إلا. وثمة صنافات بيداغوجية في مجال التواصل المعرفي كصنافة بلوم Bloom التي تتمثل في المراقي التالية:
1-   المعرفة
2-    الفهم
3-    التطبيق
4-   التحليل
5-    التركيب
6-    التقييم.

ث-الجانب الحركي:
يمكن الحديث عن التواصل الحركي والحسي الذي يتناول ماهو غير معرفي ووجداني. ويتمظهر هذا التواصل في إطار السبرينطيقا والآلية والمسرح الميمي والرياضة الحركية... ويتضمن هذا التواصل في المجال التربوي" مجموعة متسلسلة من الأهداف تعمل على تنمية المهارات الحركية، واستعمال العضلات والحركات الجسمية." ومن أهم صنافات هذا التواصل الحركي نجد صنافة هارو Harrow التي وضعها صاحبها سنة 1972. وتتكون هذه الصنافة من ست مراق أساسية، وهي:
1-    الحركات الارتكاسية
2-    الحركات الطبيعية الأساسية
3-    الاستعدادات الإدراكية
4-    الصفات البدنية
5-    المهارات الحركية لليد
6-    التواصل غير اللفظي
7-    التواصل من المنظور الفلسفي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أساليب التقويم وتطوير المنهج

"التقويم عملية منهجية منظمة لجمع البيانات وتفسير الأدلة بما يؤدى إلى إصدار أحكام تتعلق بالطلاب أو البرامج مما يساعد في توجيه ا...